
علم الرموز في أزياء النساء الإيرانيات: الأسرار الخفية في اللباس المحلي للمرأة الإيرانية
إن (لباس النساء الإيرانيات)ليس مجرد غطاء للحماية من البرد والحر، بل هو بمثابة (كتاب مصوَّر) يحكي تاريخ الأمة الإيرانية وعقائدها وأساطيرها وهويتها. الرمزية في لباس المرأة الإيرانية، ولا سيما في الأزياء المحلية والتقليدية، تختزن عالماً من المعاني العميقة والغریبه. هذا المقال من «إيران اليوم» يأخذك في رحلة ممتعة إلى قلب الثقافة والفن الإيراني، لتتعرف على اللغة المرمَّزة للنقوش والألوان.
المقدمة
منذ قرون طويلة، استخدم البشر اللباس للتعبير غير المباشر عن أفكارهم. وفي الثقافة الإيرانية، تحوّل لباس المرأة إلى وسيلة قوية تستطيع من خلالها التعبير عن مشاعرها، ومعتقداتها، ومكانتها الاجتماعية، بل وحتى عن تطلعاتها، من غير أن تنطق بكلمة واحدة. فكل زهرة، وكل خط، وكل لون، يحمل قصة تروى.
الفصل الأول: النقوش
النقوش التي استُخدمت في الأزياء الإيرانية غالباً ما استُلهمت من الطبيعة والمعتقدات الدينية والأساطير الإيرانية القديمة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
1. نقش الزهرة والطائر:
يظهر هذا النقش بكثرة في أقمشة القلمكار والترمة.
وهو يرمز إلى الفردوس والعالم المثالي.
o الزهرة ترمز إلى الازدهار والجمال والأنوثة.
o أما الطائر (وغالباً يكون البلبل) فيرمز إلى العاشق والروح الساعية للاتصال بالمحبوب، سواء كان الله أو مفهوماً سامياً متعالياً.
2 نقش البتهجقه (أو الشكل الفستقي):
هذا النقش الشهير، الذي يشبه شعلة نار منحنية، يُعد واحداً من أكثر الرموز غموضاً وامتلاءً بالأسرار.
وقد وُضعت حوله تفسيرات متعددة:
• فالبعض يراه رمزاً لـ السرو المنحني (الشجرة المقدسة لدى الإيرانيين).
• وآخرون يرونه رمزاً لـ الدمعة.
• وهناك من اعتبره رمزاً لـ حبة الكمثرى (رمز الخصوبة)، أو حتى رمزاً لـ شعلة النار.
لكن على العموم، اتفق الفنانون الإيرانيون على أن هذا النقش يجسد الصمود والخلود.
3- نقش الشمس:
تظهر الشمس في كثير من أعمال التطريز اليدوي في مناطق مختلفة، مثل أزياء نساء «لر» و«بلوش» الذين يعيشون في غرب وشرق إيران. وهي ترمز إلى العظمة، النور الإلهي، القوة، والخصوبة.
4- نقش القمر:
يرمز القمر في نقوش ملابس النساء الإيرانيات إلى الأنوثة، الجمال، الرقة، والجانب الغامض. وكان استخدام أنصاف الأقمار (الهلال) في زوايا الملابس أمراً شائعاً.
5- نقش الحيوانات:
• الطائر (مثل الطاووس) يرمز إلى الملوكية والفخامة. • أما السمكة، التي تظهر في تطريزات أصفهان وشمال إيران، فهي رمز البركة، الحركة، والولادة الجديدة.
الفصل الثاني: الألوان
الألوان في أزياء النساء التقليدية كانت تُختار بعناية فائقة، ولكل منها دلالتها الخاصة: • الأحمر: رمز الحب، حيوية الحياة، القوة، الفرح والخصوبة. استُخدم في الأعراس والاحتفالات لجلب الحظ والطاقة الإيجابية. • الأزرق: يذكّر بالسماء، ويدل على الروحانية، الصفاء، الطمأنينة والنقاء. • الأخضر: في الثقافة الإيرانية-الإسلامية رمز مقدس، يدل على الجنة، الأمل، الشباب والطبيعة. شاع استخدامه في المناسبات الدينية. • الأبيض: يرمز إلى الطهارة، البراءة، السلام والنقاء. غالباً ما كان لون ثوب العروس. • الأسود: على العكس من الأبيض، هو رمز الحزن والفقد، ويُستخدم في ملابس العزاء.
الفصل الثالث: الرموز المحلية حسب المناطق
لكل منطقة في إيران رموزها ومعانيها الخاصة، بحيث يعكس لباس المرأة هويتها الشخصية والاجتماعية:
1. نساء بلوش:
تطريزاتهن المعقدة مليئة بالرموز الهندسية كالقمر، النجوم، الشمس، والأفعى (رمز الحماية). يغلب الأحمر والأخضر والأسود على ملابسهن.
2. نساء تركمن:
نقش شاخ الكبش (قوچاق)، رمز القوة والشجاعة، حاضر في ملابسهن. يغلب اللون الأحمر والقرمزي الداكن. ومن تقاليدهن أن المرأة المتزوجة تضع حلقة تسمى (آنّق) تحت الوشاح، وهي علامة على الزواج.
3. نساء بختياري:
فستان المرأة البختياري الواسع الملون يرمز إلى الفرح، الحركة، وعدم الاستقرار (الترحال). النقوش الزهرية الصغيرة تدل على ارتباط عميق بالطبيعة.
4. نساء ترك أذربيجان:
أزياؤهن تميّز بين المتزوجة والعزباء: • الفتيات يرتدين أقمشة زاهية مثل الترمة والحرير. • النساء الأكبر سناً يربطن وشاحاً يسمى (يایلیق) فوق غطاء الرأس. • لدى عشائر «شاهسون» في أردبيل، النساء يضعن غطاء يسمى (ياشماق) يحجب جزءاً من الوجه، في حين تكشف الفتيات وجوههن بالكامل.
5. نساء جنوب إيران (هرمزغان):
الـ (برقع) يُظهر الوضع الاجتماعي: • برقع الفتيات صغير وباطنه أسود، بينما يكون ملوناً من الخارج. • العروس الجديدة ترتدي برقعاً أكبر مزخرفاً.
6. نساء شمال إيران (غيلان):
• يُستدل على الحالة الاجتماعية من خلال الأشرطة الملونة أسفل التنورة. • عدد وأسلوب ترتيب الشرائط يحدد إن كانت المرأة متزوجة، عزباء أو متقدمة في السن. • أيضاً، يختلف شكل القميص: o قميص الفتيات مغلق من الأمام. o قميص النساء المتزوجات مفتوح من الأمام (30–35 سم تقريباً) ليسهّل عملية إرضاع الطفل.
الخاتمة
تُظهر دراسة الرموز في أزياء النساء الإيرانيات أن اللباس ليس مجرد غطاء مادي، بل هو ظاهرة ثقافية-روحية. النقوش والألوان تحفظ الذاكرة الجمعية وتشكل الهوية الوطنية، وتُنقل من جيل إلى جيل. قراءة هذه اللغة الرمزية تكشف لنا جماليات إيران القديمة، وتغوص بنا في عمق معتقدات وأحلام الأسلاف. إن صون هذا التراث ودراسته هو بمثابة إبقاء جزء حيّ من تاريخ إيران المجيد.