borj
الثقافة اداب وعادات
نسخ الرابط Nov 15, 2025

الآداب والعادات الإيرانية الجميلة لاستقبال المولود الجديد؛ من التقاليد العريقة إلى المظاهر الحديثة

مقدمة:

لمحة عن عالم الألوان والفرح في استقبال المولود في إيران يُعدّ ميلاد الطفل أحد أسعد الأحداث في أي ثقافة وأي أسرة. وفي الثقافة الإيرانية الغنية، يرتبط هذا الحدث بعادات وتقاليد خاصة وعميقة المعنى، تمتد جذورها إلى التاريخ والدين والمعتقدات القديمة في هذه الأرض. لا تُقام هذه الطقوس فقط للحفاظ على صحة الأم والطفل، بل أيضًا لجلب البركة واليُمن. إذا تملكك الفضول لمعرفة ما هي العادات التي يتّبعها الإيرانيون عند ولادة أطفالهم، فتابع قراءة هذا المقال من «إيران اليوم» حتى النهاية.

التقاليد السابقة للولادة: الدعاء لقدومٍ مبارك

لا تقتصر عادات الإيرانيين على ما بعد الولادة فحسب، بل تشمل أيضًا فترة الحمل، حيث تقوم العديد من العائلات بطقوس وممارسات خاصة خلال هذه المرحلة:

  1. ليلة "يلدا" وتمنّي إنجاب الذكور: في ليلة "چِله" أو "يلدا" – أطول ليلة في السنة – إذا قامت امرأة حامل بتقطيع البطيخ إلى شرائح طويلة يُعتقد أن المولود سيكون ذكرًا.
  2. الدعاء والابتهال: تُعدّ تلاوة الأدعية الخاصة، وزيارة الأماكن المقدسة، والنذور من أكثر الممارسات شيوعًا لضمان سلامة الأم والجنين.
  3. تحضير مستلزمات المولود: تبدأ العائلات منذ الأشهر الأولى بجمع حاجات الطفل مثل السرير، العربة، الملابس والألعاب. ويتم ذلك عادة بعد معرفة جنس الجنين، ليُختار لون الأغراض ونمطها وفقًا لكون المولود صبيًا أو فتاة.

التقاليد التي تلي الولادة مباشرة: استقبال على الطريقة الإيرانية

ما إن يُسمع خبر ولادة الطفل، حتى تبدأ مجموعة من العادات الجميلة المتوارثة بين الإيرانيين:

1. الأذان والإقامة في أذن المولود:

من أكثر العادات شيوعًا عند ولادة الطفل في إيران، أن يُؤذَّن في أذنه اليمنى وتُقام الصلاة في أذنه اليسرى. ويُقام هذا الطقس لتعريف المولود منذ لحظاته الأولى بكلمات التوحيد والذكر الإلهي، وهو تقليد منتشر بين الإيرانيين المسلمين.

2. مراسم وضع التراب (تهويدة التراب):

في الماضي، كان يُخلط مقدار صغير من تراب موطن الأب مع الماء والزعفران، ثم يُمسح به جبين الطفل. وكان الهدف من ذلك أن يبقى الطفل مرتبطًا بجذوره ومحبًّا لأرض آبائه، أي أن يكون "منغرسًا في تراب وطنه". ورغم أن هذه العادة نادرًا ما تُمارس اليوم، إلا أنها ما زالت حاضرة في ذاكرة الناس كتقليد رمزي جميل.

3. التبرّك بالقرآن

فتح القرآن الكريم ووضعه بجانب رأس المولود من العادات الشائعة لجلب البركة وحماية الطفل من أي أذى أو ضرر. فالقرآن، باعتباره الكتاب الإلهي لمعظم الإيرانيين، يحظى دائمًا بـ احترام وتقدير كبير بينهم.

التقاليد في الأيام الأولى: احتفال بالمولود الجديد

1. العقيقة: ذبيحة لسلامة المولود

من أهم التقاليد الدينية–الثقافية لدى الإيرانيين طقس العقيقة، حيث تُذبح شاة عن المولود لتجنيبه كل شر وسوء. ثم يُوزَّع لحمها على المحتاجين والجيران والأقارب، على أمل أن يجلب ذلك الصحة والبركة للطفل.

2. مراسم اختيار الاسم

تُعتبر تسمية المولود في إيران خطوة بالغة الأهمية. وغالبًا ما تكون الأسماء ذات أصول إسلامية (مثل: محمد، فاطمة، علي)، أو فارسیة قديمة (مثل: كوروش، آريانا، بارسا)، أو مستوحاة من الأدب الفارسي (مثل: سهراب، گردآفريد). وفي بعض الأحيان، يُستعان بأحد كبار العائلة أو بأحد رجال الدين للمساعدة في اختيار الاسم المناسب، لما للاسم من دلالات رمزية وروحية في الثقافة الإيرانية.

3. مراسم قراءة الشاهنامه (للأولاد خاصة)

هذا التقليد الأصيل والجميل يُقام غالبًا للمولود الذكر، حيث يجلس أحد كبار السن أو أحد وجهاء العائلة بجانب مهد الطفل ويقرأ أبياتًا من ملحمة الشاهنامه لفردوسي. ويُراد من ذلك أن يستلهم الطفل منذ نعومة أظفاره روح الشهامة، والبطولة، والوطنية التي تجسدها شخصيات الأبطال في الشاهنامه.

التقاليد المهمة بعد الولادة: الهدايا وأجواء الفرح

1. الزيارات والتهاني:

يحرص الأقارب والأصدقاء على زيارة الأم والمولود بعد الولادة، مقدمين الهدايا التي قد تشمل الذهب (على شكل سكة أو سوار)، الملابس، الألعاب أو مستلزمات الطفل الأساسية. ومن العادات الجميلة أن تكون أغلى الهدايا من نصيب المولود تُقدَّم عادةً من الجدّين (من جهة الأب أو الأم). وعند رؤية الطفل، يبارك الزوّار له بالدعاء بعبارات مثل: «خدا حفظت کنه» أي: "حفظك الله"، تعبيرًا عن المحبة والتمنيات بالحماية والبركة.

2. إقامة حفلة الميلاد:

من العادات الحديثة نسبيًا في إيران أن تُقام حفلة صغيرة أو تجمع عائلي للتعريف بالمولود الجديد أمام الأقارب والأصدقاء المقرّبين. وقد تُقام هذه المناسبة في المنزل أو في قاعة خاصة، وتُعدّ مزيجًا من الفرح التقليدي والاحتفال العصري.

التقاليد الإقليمية: تنوّع جميل في الثقافة الإيرانية

1. أذربيجان:

في بعض مناطق أذربيجان، يُغلَّف مصحف صغير بقطعة قماش حمراء ويُعلَّق حول عنق الطفل تبرّكًا وحمايةً له.

2. خوزستان:

تُقام عادة مراسم الحناء لكلٍّ من الأم والمولود، تعبيرًا عن الفرح والتفاؤل بالحياة الجديدة.

3. شمال إيران:

• في بعض مناطق الشمال، يُطلق سمكٌ أحمر صغير في الماء الذي يُستعمل لتحميم المولود، ليكون الطفل محظوظًا و"حياته سلسة كالماء" كما يقولون. • كما يُقام طقس يُعرف بـ "ربط المهد" في تقاليد أهالي مازندران، حيث يُوضَع الطفل في مهده للمرة الأولى. وفي بعض المناطق، تتولّى الجدة (من جهة الأم) هذه المهمة إذا كان المولود هو الطفل الأول في العائلة. بعد ذلك، يضع الحاضرون نقودًا كهدايا داخل المهد. وتُروى عادةً أن هذا التقليد يرمز إلى أن الطفل سيعتاد على الأصوات العالية منذ الصغر، حتى لا يتأثر إن نشبت خلافات بين والديه في المستقبل!

4. دامغان (قرية أميرية): طقس "تدحرج المولود بين الورود"

في قرية أميرية التابعة لمدينة دامغان، يُقام طقس جميل يُعرف باسم «گل‌غلتان» (تدحرج المولود بين الورود) في أول ربيع من حياة الطفل. في الماضي، كان هذا الاحتفال يُقام في اليوم العاشر بعد الولادة للأطفال الذين وُلدوا في فصل الربيع، وذلك في الحمّام العام بعد أن يُغسَّل المولود للمرة العاشرة. أما الأطفال الذين وُلدوا في فصول أخرى، فكان يُؤجَّل الطقس حتى قدوم أول ربيع في حياتهم. ويؤمن أهالي المنطقة بأن تدحرج الطفل بين أزهار الورد المحمدي يجلب له الانتعاش والنضارة، ويحميه من الأمراض الجلدية والحساسيات وسائر الشرور.

5. خراسان الجنوبية: طقس اليوم السادس والتسمية

في منطقة خراسان الجنوبية شمال شرق إيران، تُقام في اليوم السادس بعد الولادة مراسم التسمية، حيث يتولى الجد اختيار اسم المولود. بعد ذلك، يُلبس الطفل ثوبًا أحمر أو تُلقى عليه قطعة قماش حمراء تغطي رأسه ووجهه وقماطه، ثم يُحمَل بين الأذرع، إذ يعتقد الأهالي أن الطفل في هذه الليلة لا ينبغي أن يُترك على الأرض.

6. كرمان: تقاليد التغذية بعد الولادة

في منطقة كرمان (جنوب ووسط إيران)، يُقدَّم للأم بعد الولادة طعام تقليدي يُعرف باسم «آب روغنو»، وهو نوع من الحلويات المغذية الخاصة بالنساء بعد الولادة. يُحضَّر هذا الطبق في مراسم خاصة تُقدَّم فيها أيضًا حلوى القوّتو والقهوة للضيوف. ويتكوّن "آب روغنو" من مزيج غنيّ من: السمن الحيواني، دقيق الأرز، السكر الصخري، لسان الثور، زهر العصفر، البابونج، بهارات الكَمّون الأربعة الكرمانية، إلى جانب اللوز، الفستق، البندق، الجوز، نوى الخوخ المطحون وجوز الهند المبشور. ويُعتقد أن هذا الطبق يمنح الأم الطاقة والقوة بعد الولادة ويُسرّع تعافيها.

الخلاصة: طقوس مفعمة بالحب والأمل

تشكل عادات الإيرانيين في استقبال المولود الجديد مزيجًا رائعًا من الإيمان الديني، والعادات الثقافية، والتقاليد العريقة. كل طقس منها يحمل في جوهره رسالة محبة، ودعاءً بالخير، وتمنيًا بالصحة والسعادة للوافد الجديد إلى الحياة. ورغم أن بعض هذه التقاليد أخذ يبهت مع مرور الزمن، إلا أن جوهرها الإنساني — الفرح بقدوم حياة جديدة — لا يزال حيًا في قلوب العائلات الإيرانية.

مشاركة:

أضف تعليقا


تعلیقات (0)

المحتوى المشترك

تذكارات إيران: دليل شامل لاقتناء أجمل الهدايا من أرض فارس

تذكارات إيران: دليل شامل لاقتناء أجمل الهدايا من أرض فارس

2025, Nov 15
الثقافة ومكانة الحمّام في إيران

الثقافة ومكانة الحمّام في إيران

2025, Nov 15
آداب الطعام في إيران

آداب الطعام في إيران

2025, Nov 10
هل يمكن أن يعيش 19 قومًا في بلد واحد؟

هل يمكن أن يعيش 19 قومًا في بلد واحد؟

2025, Nov 09