
تاريخ عيد النوروز في إيران
مقدمة
في الثقافة والحضارة الإيرانية، لطالما كان لإقامة الاحتفالات والفرح مكانة عالية؛ فقد كانت الأهمية كبيرة لدرجة أن الإيرانيين كانوا يخصصون لكل يوم في تقويمهم القديم اسمًا خاصًا ويحتفلون به بالفرح والسرور. ومن أهم هذه الاحتفالات، والتي يعود تاريخها إلى نحو ثلاثة آلاف عام، هو عيد النوروز. كلمة «نوروز» تعني اليوم الجديد أو اليوم الجديد المشرق. وفي اللغة الفارسية الوسطى، كانت هذه الكلمة تُكتب «نوکروچ (Nok roc)» أو «نوگروز (Nogriz)»، وقد تم تعريبها لتصبح «نيروز». وفقًا لمعتقدات الإيرانيين القدماء، في هذا اليوم ينزل الفروهر — وهو أحد القوى غير المادية للإنسان في ديانة الزرادشت، والتي يمتلكها فقط المتقون — إلى منازل أحفاده على الأرض. وإذا وجد الفروهر المنزل نظيفًا ومضيئًا، فإن حضوره يجلب الخير والبركة. أما إذا كان المنزل فوضويًا أو غير مرتب، فلن يمنح البركة لسكانه. في تاريخ إيران، وردت روايات متعددة حول أصول عيد النوروز في البلاد. على سبيل المثال، تذكر كتب التاريخ الإيراني أنه قبل نحو ثلاثة آلاف عام، خرج جمشيد — أحد ملوك إيران — من قصره الواقع جنوب بحيرة أرومية في شمال غرب إيران، والتي تُعرف اليوم بمنطقة حسنلو، فتأثر بأشعة الشمس الساطعة والحرّة وانتعاش الطبيعة. ومع انعكاس نور الشمس على تاج الملك وبهائه، عمّت الفرحة والحماسة بين الناس. اعتبر جمشيد هذا اليوم، نظرًا لهذا الحدث وتقدير الناس له، يومًا جديدًا ومباركًا، ومنذ ذلك الحين أصبح يحتفل بهذا اليوم سنويًا ويكرّسه باسم النوروز، مع إقامة مراسم خاصة في كل عام. وفي رواية أخرى حول تاريخ النوروز، ورد أن قبل ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، كانت هناك في غرب آسيا عيدان، أحدهما عيد الخلق في أوائل الخريف، والآخر عيد القيامة في بداية الربيع. فيما بعد، اندمج هذان العيدان — الخريفي والربيعي — ليصبحا عيدًا واحدًا يُحتفل به في بداية الربيع باسم النوروز. أول إجراء رسمي من قِبل الإيرانيين للاحتفال بـ النوروز قام به كوروش، الملك العظيم لإيران. فقد احتفل بالنوروز قبل الميلاد في عام 538 ق.م، حيث أصدر أوامره لتنظيف البيئة، وترقية العسكريين، والعفو عن المجرمين في أول يوم من الربيع ولمدة ستة أيام، تكريمًا لهذا العيد. في إيران القديمة، كان يُقسم النوروز إلى جزأين: النوروز الصغير والنوروز العام. • النوروز الصغير أو العام: هو اليوم الأول من شهر فروردين (الشهر الأول من الربيع)، ويستمر لمدة خمسة أيام، من الأول إلى الخامس من فروردين. • النوروز الكبير أو الخاص: يُحتفل به في اليوم السادس من فروردين. ومن بين الطقوس التي كانت تُقام خلال هذين النوروزين، كان هناك اللقاء بالملك الإيراني. ففي هذا التقليد، كانت الطبقات المختلفة من المجتمع — بما في ذلك الجنود والفلاحين ورجال الدين والحرفيين والنبلاء — تلتقي بالملك خلال أيام النوروز العام ليستمع الملك إلى مشكلاتهم ويصدر قراراته لحلها. أما في اليوم السادس، فكان الملك يؤدي حقوقه تجاه طبقات الشعب المختلفة، وكان يسمح فقط للأشخاص المقربين من الملك بالحضور. من الناحية العلمية في الفيزياء والفلك، يحدث النوروز عندما يقع الاعتدال الربيعي. بمعنى آخر، من وجهة نظر علم الفلك، يُعتبر النوروز اليوم الذي تتعامد فيه أشعة الشمس على نصف الكرة الشمالي ويكون موقع الشمس على خط الاستواء. نتيجة لذلك، تتساوى مدة النهار والليل ويصل طول كل منهما إلى 12 ساعة في جميع أنحاء العالم. وهكذا يبدأ اليوم الأول من الشهر الأول من الربيع، أي فروردين، وهو اليوم الذي تستيقظ فيه الطبيعة من سباتها الشتوي ويبدأ الاعتدال الربيعي. ولا يقتصر تحديد لحظة بداية السنة الجديدة على اليوم فحسب، بل يتم الإعلان عن ساعة محددة بناءً على أسباب فلكية، مما يضفي أهمية خاصة لهذا الوقت بين الإيرانيين. بعبارة أخرى، يحدد الإيرانيون لحظة دقيقة بين اليوم الأخير من شهر اسفند وبداية فروردين ليكون هذا الوقت هو النوروز. لحظة بداية السنة الجديدة هي بالضبط تلك اللحظة التي تكون فيها الأرض في وضع الاعتدال الربيعي. في العصور القديمة، كان الفلكيون في البلاط الملكي يقومون بتحديد هذه اللحظة، أما اليوم، فيتم تحديدها بدقة عالية باستخدام البرامج الفلكية الحديثة. لقد جعل التاريخ العريق والغني للنوروز هذا العيد الإيراني ذا أهمية عالمية، إلى درجة أنه في 30 مارس 2009، أقرّ البرلمان الفيدرالي الكندي اليوم الأول من الربيع كل عام كعيد النوروز (Nowruz Day)، ليكون عيدًا وطنيًا للإيرانيين والعديد من القوميات الأخرى. كما اعترفت الأمم المتحدة في 24 فبراير 2010 بهذا العيد، حيث أصدرت قرارًا في مقرها بنيويورك يقيم النوروز يومًا دوليًا للنوروز وثقافة السلام في العالم.