
الرياضات العالمية ذات المنشأ الإيراني
مقدمة
إيران، بتاريخها العريق وثقافتها الغنية، لم تكن رائدة فقط في مجالات الفن والأدب والعمارة، بل تركت أيضًا بصمتها المميزة في ميدان الرياضة. فقد ابتكرت وأسهمت في تطوير العديد من الألعاب والرياضات التقليدية، التي تطورت لاحقًا لتصبح جزءًا من التراث الرياضي العالمي. بعض هذه الألعاب يمكن اعتبارها بحق رياضات ذات منشأ إيراني أصيل. في هذا المقال من «إيران اليوم»، سنسلط الضوء على أبرز هذه الرياضات ونتناول تاريخها وأهميتها الثقافية والاجتماعية.
1-رياضة زورخانه (الرياضة البهلوانية)
تاريخها
رياضة زورخانه أو ما يُعرف بـ «الرياضة البهلوانية» تعود جذورها إلى إيران القديمة، قبل الإسلام (224–651م). في تلك الفترة، كان المحاربون الإيرانيون يستخدمون أدوات الحرب مثل الهراوة (الگُرز)، القوس (الكمان)، والدرع (السِپَر) لتقوية أجسامهم، ثم حوّلوا هذه الأدوات تدريجيًا إلى وسائل تدريب رياضية تقوي الجسد والروح. ومع مرور الزمن، قبل نحو 700 عام، قام رجل يُدعى بوريای ولي بتنظيم هذا التقليد القديم، بحيث أصبح اليوم في إيران يُمارس ضمن مجموعة من الحركات الرياضية والفنية داخل مكان يُعرف باسم زورخانه. وتُرافق هذه التمارين أغانٍ ونغمات يؤديها شخص يُسمى مرشد، وتُستخدم أدوات رمزية بديلة عن أدوات الحرب: • ميل خشبي بدلاً من الهراوة. • لوح ثقيل جدًا بدلاً من الدرع. • كُباده بدلاً من رمح الحرب. وبهذه الطريقة، أصبحت الرياضة تُعرف باسم رياضة زورخانه أو الرياضة البهلوانية التقليدية، وتمثل جزءًا من التراث الثقافي والرياضي لإيران.
الخصائص الفريدة لرياضة زورخانه
رياضة زورخانه تتميز بطقوس وآداب خاصة، مستمدة من تقاليد المحاربين والأبطال الأسطوريين في إيران القديمة. تهدف هذه الآداب إلى غرس صفات الشجاعة، الأخلاق الحميدة، والكرم والنبالة في الرياضيين. ومن الملاحظ أن بناء هذه الفضائل الأخلاقية يتم دائمًا مواكبة للقصائد والقصص الملحنة، مع عزف ضرب زورخانه – وهو أهم آلة موسيقية في هذه الرياضة – بواسطة شخص يُسمّى المرشد. يتحرك الرياضيون بتناغم مع الموسيقى ونغم المرشد، ويؤدون حركات جماعية وفردية جميلة. بالإضافة إلى ذلك، كل حركة في هذه الرياضة التقليدية الإيرانية تمثل تقليدًا أو طقسًا معينًا يركز على الأخلاق والنبالة والبطولة. على سبيل المثال: عندما يبدأ شخص بالدوران داخل الحفرة المخصّصة للممارسة والتي تُسمّى «گود»، عليه أولًا أخذ إذن من الرياضي الأكثر خبرة. فلسفة هذا التقليد القتالي تعكس معنى رمزيًا: "دعني أولاً أكون البادئ وأدخل الميدان لأُظهر التفاني والشجاعة."
الاعتماد العالمي لرياضة زورخانه
الطقوس البهلوانية ورياضة زورخانه، تم تسجيلها في عام 2010 ضمن قائمة التراث الروحي لليونسكو، باعتبارها جزءًا من التراث الإنساني وجزءًا من التاريخ الإيراني.
2. چوگان (البولو الإيراني)
تاريخها
لعب چوگان دورًا هامًا في حياة الملوك والنبلاء الإيرانيين، وكان معروفًا منذ عهد السلالة الأخمينية (550–330 قبل الميلاد). أثناء حملات داريوس الأول العسكرية في الهند، انتقلت لعبة چوگان إلى شبه القارة الهندية، ومن هناك انتشرت لاحقًا في إنجلترا وأمريكا، لتصبح رياضة معروفة عالميًا. يصف المؤرخون هذه الرياضة الإيرانية بأنها أول تجربة بشرية للعب الجماعي المنظم بقواعد محددة. في آلاف السنين الماضية، عندما كانت الحملات العسكرية جزءًا أساسيًا من السياسة، كانت اللياقة البدنية للجنود والخيول ضرورة حيوية. لذا كان الإيرانيون يمارسون لعبة چوگان لتدريب الفرسان ووحدات المشاة. بعبارة أخرى، كانت چوگان رياضة الفرسان والهاكي التي خدمت أيضًا كرياضة للمشاة الإيرانيين. كانت اللعبة تُمارس وفق قواعد محددة وبتواجد حكم لمراقبة سير المباراة، مما يضفي طابعًا رسميًا ومنظمًا على هذه الرياضة التقليدية.
الخصائص الفريدة للعبة چوگان (البولو الإيراني)
لعبة چوگان هي لعبة استراتيجية، تعتمد بشكل كبير على مهارة التحكم في الحصان والكرة والعصا الخاصة باللعبة المسماة «چوگان». • أصل الاسم: كلمة «چوگان» مستمدة من اللغة الفهلوية القديمة، وتعني «چوپگان». • العصا (چوگان): هي عصا لها رأس منحني قليلًا، مقبضها مستقيم ورفيع، ويُستخدم هذا الرأس المنحني لضرب الكرة وتوجيهها نحو مرمى الخصم. اليوم، تُعرف هذه الرياضة على المستوى الدولي باسم «البولو».
أركان اللعبة الأربعة:
- الحصان: يؤدي الجزء الأكبر من حركة اللعبة، ويكون هو العنصر الرئيسي في متابعة الكرة.
- العصا (چوگان): تُستخدم لضرب الكرة وتوجيهها نحو المرمى.
- الراكب (السوار): يجب أن يتحكم في سرعة الحصان وينسق حركته معه.
- الكرة: الهدف الأساسي للعبة هو إدخالها في مرمى الخصم. خلال المباراة، تتحرك الكرة نحو مرمى الفريق المنافس، ويجب على الحصان الذكي متابعة الكرة باستمرار حتى تدخل المرمى. يعتبر الحصان هو اللاعب الأساسي في الميدان، ويجب عليه تنظيم سرعته مع الراكب وقطع طريق الخصم في الوقت المناسب لضمان نجاح الفريق.
٣. المصارعة الفهلوانية (مصارعة بالچوخه)
التاريخ:
تعد المصارعة الفهلوانية واحدة من أقدم أساليب المصارعة في إيران، وتقام عادة في المناسبات والاحتفالات المحلية. ويُعتبر خراسان الكبير المهد الرئيسي لهذا النوع من المصارعة. يمكن اعتبار ها أمًا لجميع أنواع المصارعة الحرة والرومانية، وكذلك الجودو والكوراش، حيث أن معظم حركاتها مشابهة لتلك الألعاب وقد أثرت تدريجيًا على أنماط المصارعة الأخرى. كلمة «چوخه» كردية، وهي اسم الملابس التي يرتديها المصارعون في هذا النوع من المصارعة. تتكون هذه الملابس من عباءة قصيرة تُثبت بشال أبيض اللون. وبما أن هذه المصارعة كانت شائعة منذ القدم بين قبائل الأكراد في شمال خراسان، فقد عُرفت باسم المصارعة باچوخه.
الخصائص الفريدة:
تُقام هذه المصارعة الإيرانية وفق آداب خاصة. على سبيل المثال، يقوم كل بطل بدعوة أقاربه ومحبيه إلى الحفل ويقدم لهم العشاء، وبعد انتهاء المراسم كان الجميع يدعون للبطل بالانتصار. في الصباح الباكر، وبعد الخلوة مع الله، يُرافق البطل إلى الساحة على ظهر الحصان مع تبخير بخور اسبند. كانت ساحة مصارعة الچوخه في إيران القديمة تُقام على التراب الناعم أو العشب، بينما تُقام اليوم على الحصائر.
مراسم ساحة المصارعة:
عادةً ما يُجهز مكان مرتفع ومهيمن على الساحة لكبير القرية أو شيخها، وعند دخولهم الساحة يعزف الدهل (آلة موسيقية محلية) لحنًا خاصًا يوجههم إلى مقاعدهم ويُقدم لهم هدية. كل بطل يجلس في زاوية معينة من الساحة. يقوم مشرف الساحة بدعوة المصارعين، الذين غالبًا ما يكونون من الشباب والمراهقين، للتدريب والتسخين قبل بدء المصارعة الرسمية. تبدأ المباراة الرئيسية بأمر من مشرف الساحة، الذي يُعرف اليوم باسم الحكم. تُقام المصارعة ثلاث مرات، والفائز هو المصارع الذي يتمكن من إسقاط كتفي خصمه على الأرض مرتين. بعد الفوز، يحصل بطل الچوخه على سوار البطولة من كبار أو أبطال سابقين. من السمات الأخرى لهذه المصارعة أنها لا تعتمد على تقسيم الوزن، أي أنها مفتوحة لجميع الفئات. لذلك، كان كل مصارع يطلب خصمه للمبارزة بقول كلمة »قند«، وعند حضور الخصم يبدأ القتال، ويستمر هذا حتى لا يجد المصارع خصمًا مناسبًا.
الجوائز:
تختلف جوائز مصارعة الچوخه من منطقة إلى أخرى، وتشمل عادةً: السجاد ،العملات الذهبية، السكر، أو واحد أو أكثر من الحيوانات المحلية.
التسجيل العالمي:
رغم أن هذه الرياضة الإيرانية لم تُدرج بعد في قائمة التراث العالمي لليونسكو، إلا أن مسابقات مصارعة چوخه تُقام سنويًا على الصعيد الدولي، ويشارك فريق من أبطال الچوخه الإيرانيين كل عام في هذه المسابقات ممثلين عن إيران.
النتیجة:
لم تقتصر إنجازات إيران على الرياضات العالمية مثل المصارعة ورفع الأثقال فحسب، بل كانت أيضًا رائدة في ابتكار الرياضات الفريدة. الرياضات مثل زورخانهای، (چوگان)، والمصارعة الفهلوانية ليست جزءًا من الثقافة الإيرانية فحسب، بل تُعد أيضًا إرثًا عالميًا. إن الحفاظ على هذه الرياضات وتعريفها للأجيال القادمة وللعالم يعد خطوة مهمة في صون الهوية الوطنية والثقافية لإيران.