أنواع الكباب الإيرانية (1)
مقدمة
الكباب هو أحد الأطعمة المشتركة بين جميع شعوب العالم، حيث إن محبّيه مستعدون لدفع مبالغ مرتفعة لتجربة نكهات متنوعة من هذا الطبق الشهي. وفي إيران، كما في سائر بلدان العالم، يُعتبر الكباب جزءًا أساسيًا من مائدة الطعام. فهو عنصر لا ينفصل عن قوائم الطعام في المناسبات الاحتفالية، ومراسم العزاء، ونشاطات الترفيه لدى الشعب الإيراني.
طبخ الكباب يحتاج إلى قدرٍ من المهارة والتخصص، وهو أصعب قليلًا مقارنةً ببعض الأطعمة الأخرى؛ ولكن مع ذلك، إذا تم تعلم طريقة تحضيره جيدًا، يمكن إعداده في المنزل بسهولة باستخدام المكوّنات اللازمة لصنع أنواع الكباب المختلفة.. يُقسِّم الطهاة الإيرانيون أنواع الكباب بحسب طريقة تقديمها إلى فئتين: النوع الأول هو الكباب الذي يُؤكل مع الخبز، ويُعرف بين الإيرانيين القدماء باسم «الكباب البازاري». أما النوع الثاني فهو الكباب الذي يُقدَّم في المطاعم الإيرانية (المعروفة بـ«تشلوكبابي») ويُقدَّم مع «التشلو»، أي الأرز الإيراني، على المائدة. يعتقد الطهاة الإيرانيون القدامى أن كباب الكوبيـدة المقدم داخل الخبز يتميز بملمسٍ طريّ، ويمكن تناول قطعة منه بسهولة مع لقمة خبز. أما كباب الكوبيـدة الذي يُقدَّم مع الأرز، فيتماسك أكثر عند شيّه على النار، ويُؤكل باستخدام الملعقة أو الشوكة مع الأرز. ومع ذلك، فإن ما يجمع بين هذين النوعين من الكباب هو مكوناتهما الأساسية؛ فكلاهما يُحضَّر من خليطٍ من لحم خاصرة الخروف (القلوة) مع قطعٍ أخرى من اللحم الدهني والرخيص نسبيًا، بالإضافة إلى البصل كمكوّن رئيسي في العجين اللحمي.
مع مرور الزمن، ومع ازدياد التبادل الثقافي بين شعوب العالم، تنوّعت أنواع الكباب الإيراني بشكلٍ كبير. ومن أقدم أنواع الكبابات الإيرانية "دَنده كَباب"، الذي يُنسب إلى غرب إيران، حيث كان يُحضَّر بشكلٍ خاص في منطقتي لُرِستان وكرمانشاه. ومن بين أشهر أنواع الكبابات الإيرانية الأخرى يمكن ذكر: كباب الكوبيـدة، كباب البَرگ، الكباب القفقازي، الكباب التُرش، كباب چِنجِه، كباب بناب، كباب السلطاني، جوجهكباب (كباب الدجاج)، الكباب الخشبي، كباب الطرخوني، كباب الحسيني، جوجهكباب بوقلمون (كباب الديك الرومي)، كباب شيشليك، وكباب البختياري. يعتقد الإيرانيون أن الطعام يعادل الدواء، ولذلك يُقدَّم إلى جانب وجباتهم ما يُعرف بـ«المُصلِحات الغذائية» التي تساعد على التوازن والهضم. والكبابات لا تُستثنى من هذه القاعدة؛ فبسبب ثِقل اللحم على المعدة، يحرص الإيرانيون على تقديم السماق والبصل إلى جانبه لتسهيل الهضم وتسريع عملية الامتصاص. أما المشروب المفضّل لديهم مع الكباب فهو الدوغ، ويُعتبر أيضًا من المُصلِحات، إذ يحتوي على النعناع الذي يخفف من ثِقل اللحم. ويُحضَّر الدوغ من اللبن (الزبادي) وماء الورد أو عرق النعناع والماء والملح، وهو خيار مثالي يُقدَّم إلى جانب أطباق الكباب الإيراني.
كانت طريقة تقديم هذا الطبق الإيراني الشهي في المطاعم القديمة بإيران تتم على النحو التالي : كان النادل في المطاعم يضع الأرز في الأطباق على شكل هرمٍ صغير، ويضيف إلى جانبه قطعة من الزبدة قبل تقديمه للزبائن. كان النادل الأول يقدّم الأرز على الطاولات، يتبعه الآخر مباشرةً ليضع أسياخ الكباب في الأطباق أمام الزبائن. في ذلك الوقت، كان الزبون يستطيع أن يأكل ما يشاء من الكباب دون أن يدفع مبلغًا إضافيًا؛ أي على عكس ما هو متّبع اليوم، حيث تُقدَّم كمية الأرز بوفرة بينما تكون حصة الكباب محدودة. أما في الماضي فكان العكس هو الصحيح الكباب أكثر، والأرز ثابت. ومن الجدير بالذكر أنه عند طلب الكباب الإيراني في المطاعم، يجب الانتباه إلى وحدة القياس الخاصة به. ففي إيران، تُقاس وجبة “تشلوكباب” بالوحدة المسماة «دَست» وتعني “یک دَست چلوکباب” (وجبة تشلوكباب واحدة) عادةً: طبقًا مليئًا بالأرز، يُقدَّم معه كباب بَرگ (سيخ واحد) أو كباب كُوبیده (سيخان اثنان)، إلى جانب طماطم مشوية، وسماق، وبصل، ومشروب — وغالبًا ما يكون الدوغ أي اللبن العيران هو المشروب المرافق التقليدي.
من الملاحظ في الحديث عن الكبابات الإيرانية أن الإيرانيين، منذ القدم، نادراً ما كانوا يطبخون الكباب في منازلهم. حتى الملوك الإيرانيون لم يكونوا استثناءً من هذه القاعدة، إذ كانوا يتناولون الكباب في الصحراء أثناء رحلات الصيد. وفي إيران، حتى إذا رغب أحدهم في تناول الكباب في البيت، فغالباً ما كان يشتريه جاهزاً من الخارج ويحضره إلى المنزل. أما اليوم، فبرغم أن الإيرانيين يعيشون في نمط حياة شقق سكنية ، فإنهم لا يزالون يستمتعون بشواء الكباب في الهواء الطلق أثناء رحلاتهم القصيرة. لقد أصبح الكباب، هذا الطبق اللذيذ، جزءًا أصيلاً من الحياة والثقافة الإيرانية إلى درجة ظهوره في القصص والأمثال الشعبية. فعلى سبيل المثال، عندما يريد الإيراني التعبير باختصار عن الفوارق الطبقية بين الأغنياء والفقراء، يستخدم هذا المثل الشعبي الشهير: "الأغنياء يأكلون الكباب، والفقراء يكتفون برائحته" كذلك، إذا أراد إيراني أن ينصح أحدهم بأن يقوم بعملٍ ما بشكل صحيح ومتوازن، فإنه يقول له: "لا تحرق السيخ ولا الكباب" (أي بمعنى: افعل الأمر باعتدال دون إفراطٍ أو تفريط) وقد استخدم الإيرانيون طريقة إعداد الكباب نفسها لتوصيل المعاني الأخلاقية والفكرية في كلامهم. فكما يجب عند شيّ الكباب أن يُدار ببطءٍ وبانتظام على نارٍ هادئة حتى تنضج الجهتان معًا دون احتراق، فكذلك الإنسان، عليه أن يطوف في العالم ويجرّب كثيرًا حتى ينضج فكريًا ويكتسب الحكمة، ويتخلّص من الجهل وقلة الخبرة. وقد عبّر الشاعر الإيراني الشهير سعدي عن هذا المعنى في بيتٍ من شعره يقول فيه: بَسیار سَفَر بایَد تا پُخته شَوَد خامی صوفی نَشَوَد صافی تا دَر نَكَشَد جامی وترجمته إلى العربية : على الإنسان أن يسافر كثيرًا حتى تنضج خبرته،» «فالصوفي لا يبلغ صفاءه ما لم يذق كأس التجربة
هذة حكايات جارية ...