مقدمة

الضيافة وتناول الطعام في الثقافة الإيرانية ليس مجرد وسيلة لإشباع الجوع؛ بل هو تجربة اجتماعية وثقافية عميقة وذات معنى. إذا كنت تنوي السفر إلى إيران، أو حضرت حفل عشاء لدى عائلة إيرانية، أو كنت مهتمًا بالتعرف على الثقافات المختلفة، فإن فهم آداب الطعام لدى الإيرانيين هو مفتاح الاستمتاع بهذه التجربة الفريدة. تقدم هذه المقالة من «إيران اليوم» لمحة تفصيلية عن هذا التقليد العريق.

1. المائدة؛ قلب المائدة الإيرانية

المائدة (Sofreh) مفهوم يتجاوز مجرد قطعة قماش بسيطة. يتم فرد هذا القماش الكبير عادةً على الأرض، ويجلس جميع أفراد العائلة أو الضيوف حوله. هذا الفعل يعزز الألفة والقرب. من المثير للاهتمام أن المائدة تحظى بتقدير كبير في الثقافة الإيرانية؛ فوضع الحذاء عليها أو الكلام غير اللائق أثناء الطعام يعتبر إساءة. على المائدة الإيرانية، إلى جانب أواني الطعام، تتواجد عادة الخبز (برّبري، سنغك، تافتون) كأساس، بالإضافة إلى الخضروات الطازجة (بقدونس، جرجير، ريحان)، والبصل، والزبادي، ومشروب اللبن المخفوق المعروف باسم دوغ.

2. الضيافة: قاعدة لا تتغير

الضيافة الإيرانية (Mehmān-navāzi) أسطورية. يُعتبر الضيف "رسول الله"، والاستقبال بأفضل ما لدى الأسرة واجب شرفي وأخلاقي. من أبرز مظاهر هذه الثقافة في الولائم الإيرانية:

• التعريف بالمجاملة، فن إيراني:

يكرر المضيف دعوته لتناول الطعام عدة مرات (Ta'arof). حتى إذا كنت شبعانًا، رفض الدعوة الأولى بأدب أمر طبيعي، لكن إصرار المضيف يكون جادًا! قبول الدعوة في النهاية يسعده.

• حصة أكبر للضيف:

عادةً يُقدَّم للضيف أفضل قطع الطعام، أكبر كمية من الأرز، أو أكبر قطعة كباب.

3. آداب الجلوس وبدء الطعام:

• الجلوس على الأرض: في الولائم التقليدية، يجلس الأفراد حول المائدة على الأرض، عادةً على أطراف أرجلهم. أما في المنازل الحديثة، فإن استخدام طاولة الطعام أصبح شائعًا.

• البدء باسم الله: يبدأ تناول الطعام دائمًا بقول "بسم الله الرحمن الرحیم" (باسم الله الرحمن الرحيم).

• انتظار الأكبر سنًا:

عادةً لا يبدأ الآخرون بتناول الطعام حتى يبدأ الأكبر في الحضور (رب الأسرة أو الضيف المميز).

4. آداب الأكل والشرب:

• استخدام الخبز:

الخبز يُعتبر ملعقة طبيعية! كثير من الإيرانيين يأخذون الطعام (مثل الحساء) بقطع من الخبز ويأكلونه، وهذا أمر شائع وطبيعي.

• أكل الأرز:

عادةً يُؤكل الأرز الإيراني (Polo) بالملعقة. جمع الأرز لتشكيل "كرة" متماسكة مهارة يمتلكها الكثير من الإيرانيين.

• الأكل باليد:

الإيرانيون القدماء، مثل شعوب العالم القديمة، كانوا يأكلون بيدهم. ثقافة استخدام الشوكة والسكين بدأت في القرن الحادي عشر الميلادي.

• الالتزام بالصمت أثناء الأكل:

الصمت أثناء تناول الطعام كان أحد أهم المبادئ عند الإيرانيين القدماء ولا يزال كذلك. كانوا يعتقدون أن الكلام أثناء الأكل يُلهي الشخص عن كمية الطعام وطريقة تناوله، مما يمنع الجسم من الاستفادة الكاملة من الطعام. الصمت يساعد على تركيز كامل الجسم على الطعام ويجعل الطعام ينزل على القلب والروح. إذا احتاج أحدهم شيئًا، كان يشير إليه بأدب دون كسر الصمت.

• مدح الطعام:

مدح الطعام بكلمات مثل "دست شما درد نکند" (تعني "أحسنت على تحضير هذا الطعام") يُدخل الفرح والاعتزاز على المضيف.

• إنهاء الطعام:

إنهاء الطعام الموجود في الطبق علامة على الرضا والاستمتاع، ويسعد المضيف.

5. آداب ختام الطعام والشكر:

• الشكر:

بعد الانتهاء من الطعام، من الشائع قول "الحمدلله" أو "خدا را شکر" (الحمد لله).

• الدعوة لتناول ثانية:

قد يصر المضيف على تقديم وجبة ثانية. إذا كنت شبعانًا، أجب بأدب: "سیرم، ممنون" (أنا شبعان، شكراً) أو "خیلی عالی بود، واقعاً سیر شدم" (كان رائعًا، أنا شبعان حقًا).

• القيام من على المائدة:

عادةً لا يقوم الضيوف حتى ينتهي الجميع من الطعام أو حتى يعطي الأكبر في المجموعة الإذن.

6.نصائح مهمة للسياح:

• تناول الطعام بالشوكة والملعقة، ولكن إذا أكل المضيف بالخبز، يمكنك تجربة ذلك أيضًا. • لا تخف من إصرار المضيف؛ فهذا جزء من ثقافته. ابتسم ورد بأدب. • اغسل يديك دائمًا قبل الجلوس على المائدة أو السفره. • بعد الدعوة، إرسال رسالة شكر أو مكالمة يُعتبر خطوة تتجاوز التوقعات ومقدّرة جدًا.

الخاتمة

آداب تناول الطعام لدى الإيرانيين هي مرآة للضيافة والاحترام والألفة. هذه العادات تجعل من الطعام فناً اجتماعياً، حيث تُعزز العلاقات الإنسانية إلى جانب الاستمتاع بالنكهات الرائعة. بفهم هذه المبادئ، لن تختبر مجرد وجبة طعام، بل فصل كامل من الثقافة الغنية لإيران.